بدأ العد العكسي لموعد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من الشهر الجاري, في حين لا تزال ملامح هذا الاستحقاق بعيدة عن التجلّي. فمنذ تحديد الموعد ومع التطورات المتسارعة بفعل سقوط النظام الأسدي, عاد منسوب الغموض ليرتفع, سواءً لجهة إمكانية تمخض الجلسة عن دخان أبيض, أو لجهة أسماء المرشحين الفعليين, حتى تنضج الظروف وتتعبد طريق الوصول إلى كرسي بعبدا.
وبين الوقائع والتوقعات يستمر مصير الشغور في التأرجح, وتحديداً في غياب أي معادلة كفيلة بإحداث توازنٍ بين المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية. ذلك أن الاهتمام الخارجي بلبنان, والذي كان سائداً غداة الدخول في اتفاق وقف إطلاق النار, لم يعد كما كان. حينها كان الحدث عندنا, وكانت الإشارات تشي بأن الاتفاق هو جزءٌ من سلة استوجبت من رئيس مجلس النواب نبيه بري المسارعة إلى تعيين موعد الجلسة مع وعود بوصول رئيس إلى الكرسي.. وكأن القرار اتخذ وانتهى الأمر.
لكن الظروف انقلبت رأسا على عقب, وبالمعنى الحرفي للكلمة, وتحديداً مع سقوط الأسد, ومع عجز "حزب الله" عن التحكم بالاستحقاق الرئاسي كما كان يفعل بفعل خساراته المتلاحقة, حتى بات مسؤولوه يطالبون برئيسٍ "سيادي".
فخوف "الحزب" المتفاقم مقابل حالة ضياع تعاني منها الأطراف السياسية التي ضاعت هويتها بين المعارضة والموالاة, ومع غموض المعطيات خارجياً, ومع خفوت نشاط اللجنة الخماسية بانتظار الوفود التي ستصل تباعاً وبمستويات متفاوتة الأهمية, يتكرس أكثر فأكثر اليقين بعدم وصول كلمة سر تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود في أزمة الرئاسة.
والأمر متوقع مع تحوُّل الاهتمام الدولي إلى سوريا ليتراجع عن لبنان, ومع توفُّر المعطيات قد تفرض خيارات لم تكن مدرجة. وفي ظل التطورات المتلاحقة وفي ضوء ما يستجد, قد تتغير بورصة الشخصيات التي تناسب مقام الرئاسة… هذا من دون أن نغفل الرهان, الساذج أحياناً, على ما يمكن أن يرافق تسلم دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض, مع ترويج لما مفاده أن ما قبل دخوله عتباته الرئاسية ليس كما قبله.
وعليه, ربما لن تحمل جلسة الخميس المقبل قراراً حاسماً بانتخاب رئيس… فظروف لحظة تحديد موعد الجلسة هي غيرها مع المشهد الإقليمي والدولي, الذي شكل انقلابات زلزالية بامتياز, وكفيلة بوضع الاستحقاق الرئاسي على فالق التأجيل مرة جديدة وفق معطيات التغيير الطارئة… اللهم الا إذا كان المطلوب دولياً إنجاز الاستحقاق كيفما اتفق… أو أن الحبر السري للاتفاق لا يزال ساري المفعول بمعزل عن الانقلابات الحاصلة.
بالتالي, يصعب تحديد الرسم التقريبي لشخصية الرئيس العتيد قياساً إلى الحاجة اللبنانية المتعلقة بالأوضاع الراهنة وبمرحلة انحسار هيمنة "حزب الله". وربما قد يتقرر الانتظار حتى إنجاز الانفتاح الكامل الشامل للمنطقة بعد إزالة ألغام المرحلة السابقة… ليبقى الاستحقاق واجباً, ولكن مع وقف التنفيذ..